التحليل الطبوغرافي والجيولوجي والمورفوبنيوي لتضاريس البنية الالتوائية - تحليل نموذجي لمقطع من خريطة Serres
تقديم
تمثل التضاريس الممثلة على الخريطة الجيولوجية 1/50.000، لجزء من سلسلة الالب الفرنسية. وهي واحدة من السلاسل الجبلية التي تكونت نتيجة لانغلاق بحر Téthys بسبب تقارب الصفيحتين الافريقية والاوراسية.
تتميز الطبوغرافيا الممثلة على المقطع بكونها تضاريس جبلية شديدة التنوع، تتقارب فيها عدة أشكال متناقضة. فمن جهة تتوسط المقطع قمة حادة وأخرى مقببة، ومن جهة أخرى يتخلله منخفض معلق بين القمتين مع وجود أودية وسفوح مختلفة الطول والشكل.
1- القمم
تتواجد في المقطع ثلاثة أنواع من القمم، حسب ارتفاعها المطلق على التوالى نجد:- القمة الوسطى تشرف على باقي تضاريس المقطع بارتفاع يصل 1350 متر. تأخذ شكل قمة حادة محاطة بسفحين شديدي الانحدار. وقطاعها الطولي على الخريطة يجعل منها عرفا جبليا حادا.
- أما القمة الثانية فتمتد على مسافة 500 متر، يبلغ ارتفاعها حوالي 1150 متر. وتأخذ شكلا مقببا ومحاطة بسفحين غير متمثلين.
- وهناك قمة ثالثة مسطحة الشكل تمتد على 750 متر ابتداء من أقصى غرب المقطع، بارتفاع يساوي 950 متر.
2- المنخفض المعلق بين القمتين
في مسافة 1,25 كلم الفاصلة بين القمة الحادة والمقببة، يمتد منخفض يتوسطه سليل يستغله مجرى مائي صغير، لا يزيد ارتفاع عمقه عن 1050 متر. يظهر أن محور المنخفض مائل في اتجاه الجنوب الغربي، لأن المسافة من القمة المحدبة إلى السليل طويلة، تساوي 750 متر بنسبة انحدار %40 . بينما من السليل إلى القمة المقعرة لا تتعدى 75 متر ب %66 كانحدار .
- السفح الشرقي: ينطلق من العرف الحاد في اتجاه الشرق، على امتداد طويل يقدر ب 1750 متر ومدى يصل 550 متر. وبالتالي فنسبة الانحدار تعادل %32. أما شكل الانحدار فهو منتظم تماما من القمة إلى نهاية المقطع.
- السفح الغربي: يربط بين القمة المقببة والمسطحة. يمتد على مسافة 300 متر بانحدار قوي ومنتظم، تصل نسبته %66. وعند قدمه يجري مسيل صغير يتركز عند النقطة الارتفاعية 750 متر، ويتعمق إلى ارتفاع 900 متر. وهو محاط بسفحين غير متماثلين: سفحه الغربي ضعيف الانحدار أما الشرقي فهو شديد الانحدار.
خلاصة
يمثل المقطع نموذجا للتضاريس الجبلية بكل تعقيداتها. حيث نجد على مسافة قصيرة تجاورا بين قمم مرتفعه ومنخفضات، الكل يربط بينه سفوح مختلفة الأشكال. نتساءل أولا عن مسؤولية كل من البنية والتعرية في خلق هذا التعقيد. كما نتساءل عن بعض الظواهر الطبوغرافية التي تبدو مثيرة للانتباه مثلا:
- كيف تم الاحتفاظ بالقمم رغم أنها حادة جدا وتوجد على ارتفاع مهم مقارنة مع المجالات التي تشرف عليها. لماذا لم تنجح التعرية في تقليل هذا الفارق ؟
- كيف نفسر وجود منخفض مرتفع معلقا بين قمتين، وبماذا نشرح ميلان محوره؟
- لماذا تتميز جل السفوح بانتظام أشكال انحدارها رغم اختلاف امتدادها ودرجة انحدارها ؟
التحليل الجيولوجي
- الطباقة: تنتمي الصخور التي يقطعها المقطع إلى سلسلة تامة ممتدة من الجوراسي الأعلى إلي الكريطاسي الأسفل. توضعت الطبقات في ظروف بحرية بشكل مطابق، دون وجود تغرة حقيقية باستثناء الطبقة التي تظهر بسمك مهم في الواجهة الشمالية الشرقية من المقطع لكنها تغيب في الواجهة المقابلة. الشيء الذي يمكن رده لانقطاع محلي لتوضع هذه الطبقة ليست له دلالة استرتيغرافية.
- الصخارة: إذا استثنينا طبقة 6-J8، التي هي عبارة عن كلس كثلي شديد الصلابة، فإن باقي الطبقات ضعيفة إلى متوسطة الصلابة مكونة من صلصال أو كلس صلصلي. وهذا ما يجعلنا نسجل أن القمتين الجبليتين المهمتين في المقطع منحوت كل منهما في 6-J8 التي لها قدرة على الصمود في وجه التعرية.
- البنائية: نتيجة للضغوط التي تعرضت لها هذه البنية، فقد أفرزت في هذا المقطع شكل مقعر كبير مائل بنسبة قليلة في اتجاه الجنوب الغربي. تدخلت التعرية الانتقائية لتنتج منه هذه الأعراف والسفوح والمنخفضات الجبلية.
التحليل المورفوبنيوي
يمثل المقطع نموذجا لوضعية التضاريس الجبلية الناشئة عن نشاط التعرية، في بنية إلتوائية همت سلسلة رسابية تهيمن عليها الصخور ضعيفة المقاومة.
فقد استغلت التعرية الانتقائية غلبة الصخور ضعيفة المقاومة لتتعمق في المحدبات المجاورة وتفرغها، بينما تأخر نشاطها في المقعر ليصبح ارتفاعه أكبر من المحدبات. نتحدث هنا عن مقعر شاخص. غير أنه يلاحظ أن الطبقات الصلبة التي كانت تشكل دعامة المقعر (عندما كان خوا في وضعية بنيوية) أزيلت تماما وأصبح سطح المقعر مكون من طبقة الكلس الصلصالي CVI الهشة مع قليل من طبقة CV الصلصالية. نحن إذن أمام سطح تعرية، مما يعني بأن تطور المقعر لم تكتمل بعد. ولن يكتمل تطوره إلا بوصول التعرية إلى طبقة 6-J8، المكونة من كلس كثلي شديد المقاومة.
أما الوادي الصغير الذي يجري داخل هذا المقعر فهو موافق للبنية (لأنه يجري فوق الطبقة الهشة) وللتضاريس (لأنه يجري داخل المنخفض)، وهو المسؤول عن الإزالة التي همت المقعر. يمكن أن نسميه أيضا وادي المقعر.
إلى جانب هذا فقد حافظت التعرية على الصخور شديدة المقاومة من طبقة 6-8J، في هامشي المقعر، مما جعل منها أضلعا توافق طبوغرافيا الأعراف الحادة، وتعطي المجال طابعه الجبلي المتقطع. غير أن الملاحظ أنه تحت تأثير ميل الطية، فإن الضلع الشمال شرقي شاخص أكثر، لذلك أعطى القمة الحادة أو الإفريز الذي تحدثنا عنه على المستوى الطبوغرافي. عكس الضلع الجنوب الغربي الذي يبدو أقل بروزا لذلك فقد أفرز من الناحية الطبوغرافية قمة مقببة.
وانطلاقا من هذه الأضلع تزداد فعالية التعرية التي ستقطع سلسلة من الصخور المتوسطة وضعيفة المقاومة. وتقارب الطبقات من حيث قدرتها على مقاومة التعرية، هو الذي يفسر انتظام انحدار هذه السفوح.
بالنسبة لما اعتبرناه في التحليل الطبوغرافي قمة مسطحة فهي جزء من ميدان المحدب المجاور الذي تم إفراغه ليصبح في وضعية ارتفاعية أخفض من المقعر. وبلوغ التعرية الطبقة الهشة يجعلنا في وضعية بهرة. ولعل الوادي الذي يجري على طرف البهرة هو المسؤول عن هذا الإفراغ. وهو واد معاكس للبنية (لأنه يجري داخل المحدب) يمكن أن نعتبره سالفا بالمقارنة مع الحدث التكنوني، واستمر تعمقة بتزامن مع الرفع.
تتقاسم البنية الالتوائية والتعرية النشيطة المسؤولية الكبرى في تشكيل هذه التضاريس الجبلية، غير أننا لاحظنا غيابا تاما للسطوح البنوية والمشتقة، نظرا لعاملين أساسيين:
- اشتغلت التعرية على مدى زمني كبير، بدأ منذ الإيوسين قبل حوالي 50 مليون (نفس عمر الأطلس الكبير) ويستمر إلى اليوم، مستغلة شبكة مهمة من الأنهار المنطبعة والسالفة لتشكيل تضاريس جديدة.
- سهل على التعرية إفراغ المحدبات نظرا لأهمية سمك المتواليات الهشة من الطبقات. لكن رغم السمك الضعيف للطبقات الصلبة فإن صلابتها الكبيرة سمحت لها أن تصمد على شكل أعراف حادة .
- مقعر شاخص أصبح في مستوى الإشراف على المحدبات. وحتى هذا المقعر لم يسلم من فعل التعرية التي أزالت دعامته الصلبة وأصبح سطح تعرية يمكن أن نسميه "خوا مخففا" val atténué.
- أظهرت التعرية في جانبي المقعر أضلعا تتوافق مع بروز الطبقة الصلبة، وباقي أجزاء السفوح تتميز بانتظام انحدارها لأنها منحوثة في صخر متشابه من حيث مقاومة التعرية.
- بينما بلغ إفراغ المحدبين درجة متقدمة بحيث أصبحا عبارة عن بهرة.
من إعداد الاستاذان: عمر العروصي و عبد اللطيف ارويحا
تعليقات
إرسال تعليق